الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي جَعَلَ الْإِيمَانَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ سَبَبًا لِلنَّجَاةِ مِنَ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ، وَجَزَى عَلَيْهِمَا بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى فِي الْجَنَّةِ (وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ) [إبراهيم: 23]،
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛شَرَعَ أَنْوَاعَ الطَّاعَاتِ لِيَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِهَا، فَمِنْهُمُ المُشَمِّرُونَ وَمِنْهُمُ المَحْرُومُونَ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ بِرَمَضَانَ فَيَقُولُ: "قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ" .
أَمَّا بَعْدُ: فأَحْسِنُوا في هذا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ بِتَجْدِيدِ الْإِيمَانِ وَالتَّوْبَةِ، وَتَكْثِيفِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَتَنْزِيهِ اللِّسَانِ عَنِ الْفُحْشِ وَسُوءِ الْقَوْلِ وَفُضُولِ الْكَلَامِ، وَغَضِّ الْبَصَرِ عَنِ الْحَرَامِ، وَحِفْظِ الْأَسْمَاعِ عَنِ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْبُهْتَانِ وَالْغِنَاءِ وَالمَعَازِفِ , فَإِنَّ الْأَلْسُنَ وَالْأَسْمَاعَ وَالْأَبْصَارَ تُلْقِي مَا تَسْتَقْبِلُ عَلَى الْقُلُوبِ، فَإِمَّا صَلَحَتِ الْقُلُوبُ بِصَلَاحِ مَا تَتَلَقَّاهُ، وَإِمَّا فَسَدَتْ بِفَسَادِ مَا يَرِدُهَا (إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء: 36].
فرَمَضَانُ مَوْسِمٌ مِنْ مَوَاسِمِ الصَّالِحينَ، وَوَصْفُ الصَّلَاحِ لَا يَسْتَحِقُّهُ إِلَّا مَنْ حَقَّقَ الصَّلَاحَ فِي نَفْسِهِ بِالمُحَافَظَةِ عَلَى الْفَرَائِضِ، وإتباعها بِالنَّوَافِلِ، وَتَكْثِيرِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَاجْتِنَابِ المُحَرَّمَاتِ وَالمَكْرُوهَاتِ.
وكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ يَدُلُّ عَمَلُهُ عَلَى صَلَاحِهِ أَوْ فَسَادِهِ، فَسُمِّيَ الصَّالِحُ صَالِحًا لِغَلَبَةِ الطَّاعَاتِ عَلَيْهِ، وَسُمِّيَ الْفَاسِدُ فَاسِدًا لِغَلَبَةِ المُحَرَّمَاتِ عَلَيْهِ. وَقَدْ يَنْتَقِلُ الْعَبْدُ مِنَ الصَّلَاحِ إِلَى الْفَسَادِ بِالِانْتِكَاسِ، نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى الْعَافِيَةَ، وَقَدْ يَنْتَقِلُ مِنَ الْفَسَادِ إِلَى الصَّلَاحِ بِالتَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ.
وَالْوَصْفُ بِالصَّلَاحِ هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَوْصَافِ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْإِيمَانَ وَالْعَمَلَ، بَلْ وَالِازْدِيَادَ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، حَتَّى يُعْرَفَ بِهِ.
وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَنْفَعُ الْعَبْدَ فِي دُنْيَاهُ، وَعِنْدَ مَوْتِهِ، وَحِينَ يُوَسَّدُ فِي قَبْرِهِ، كَمَا يَنْفَعُهُ عِنْدَ بَعْثِهِ وَنَشْرِهِ وَحِسَابِهِ
وَالمُحَرَّمُ مُحَرَّمٌ فِي رَمَضَانَ وَفِي غَيْرِ رَمَضَانَ، لَكِنَّ اجْتِنَابَ المُؤْمِنِ لِلْمُحَرَّمِ فِي رَمَضَانَ يَدُلُّ عَلَى تَعْظِيمِ الشَّهْرِ، وَمَنْ عَظَّمَ حُرُمَاتِ اللَّـهِ تَعَالَى وَفَّقَهُ اللهُ تَعَالَى لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي يَرْضَاهُ عَنْهُ، وَوَفَّقَهُ لِتَرْكِ المُحَرَّمَاتِ طَوَالَ الْعَامِ. فَأَحْسِنُوا في هذا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ بِالْإِقْبَالِ عَلَى اللَّـهِ تَعَالَى، وَتَعْلِيقِ الْقُلُوبِ بِهِ سُبْحَانَهُ، وَتَجْدِيدِ التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ، وَكَثْرَةِ الذِّكْرِ وَالطَّاعَةِ. وصل الله وسلم على نبينا محمد .